أوروبا: الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة يتزايدان بشكل هائل

٨ مايو، ٢٠٢٣
في إطار مؤتمر الإنتربول الإقليمي الأوروبي الـ 50 اجتمع خبراء لبحث التهديدات الإجرامية المشتركة، من المخدرات إلى الجريمة السيبرية

أوهريد (جمهورية مقدونيا الشمالية) – ركز مؤتمر الإنتربول الإقليمي الأوروبي الـ 50 بشكل رئيسي على تعزيز التعاون الشرطي الدولي لمواجهة التهديدات المتفاقمة التي تطرحها شبكات الجريمة المنظمة.

وجمع المؤتمر الذي استغرق ثلاثة أيام (8-10 أيار/مايو) أكثر من 140 مشاركا من 53 بلدا في أوروبا وخارجها من أجل بحث ألح ّالمسائل الإجرامية التي تواجهها المنطقة.

وعُقد المؤتمر في أوهريد (جمهورية مقدونيا الشمالية) التي تصادف هذا العام الذكرى الـ 30 لانضمامها إلى الإنتربول.

وفي كلمته خلال مراسم افتتاح المؤتمر، قال Oliver Spasovski، وزير الداخلية في جمهورية مقدونيا الشمالية: ’’إن هذه الأعوام الـ 30 الماضية التي مرت على انضمامنا إلى أكبر منظمة شرطية في العالم تقف شاهدا على التزامنا بالتعاون الشرطي الدولي واستعدادنا للمشاركة فيه‘‘.

وأضاف: ’’مع إنشاء منظومة الإنتربول للاتصالات الشرطية المأمونة I-24/7، كان بلدنا من أوائل البلدان التي وُصلت بأسرة الشرطة العالمية هذه لتبادل المعلومات بين الأعضاء والأمانة العامة والوصول مباشرة إلى قواعد البيانات الجنائية العالمية‘‘.

مستوى غير مسبوق

إن مجموعات الجريمة المنظمة التي تمولها مستويات غير مسبوقة من الاتجار بالمخدرات، تهدد مباشرة وبشكل متزايد سلطة الدولة في الكثير من البلدان؛ وتتوفر أدلة على مستويات العنف الذي تمارسه شبكات الجريمة هذه تتفاقم هي أيضا.

وقال رئيس الإنتربول أحمد ناصر الريسي خلال مراسم افتتاح المؤتمر: ’’تتصدر الجريمة المنظمة قائمة الشواغل. وهذه الجرائم عبر الوطنية لا تهدد سلامة المنطقة وأمنها فحسب، بل تخلّف تبعات وخيمة على بقية بلدان العالم أيضا‘‘.

وفي الشهر الماضي، أعلن الإنتربول تنفيذ أهم عملياته على الإطلاق في مجال مكافحة الاتجار بالأسلحة النارية، التي أسفرت عن اعتقال أكثر من 14 000 مشتبه فيهم في وسط أمريكا وجنوبها وعن مصادرة مخدرات غير مشروعة بقيمة غير مسبوقة بلغت 5,7 مليارات دولار أمريكي.

وقال الأمين العام للإنتربول يورغن شتوك: ’’خلال السنوات الخمس الماضية، تفاقم الاتجار [بالمخدرات] واستهلاكها بشكل هائل وكانت أوروبا إحدى أسواق العبور والوجهة الرئيسية‘‘.

وأضاف قائلا: ’’لا نزال نشهد ضبطيات قياسية تُنفَّذ عند الحدود والموانئ الأوروبية ونرى تفاقما موازيا للجريمة العنيفة والفساد وغسل الأموال على نطاق غير مسبوق‘‘.

والنطاق العالمي للكثير من شبكات الجريمة المنظمة التي غالبا ما تشمل أنشطتها العديد من القارات إنما يؤكد أن التعاون الدولي عن طريق الإنتربول هو في أغلب الأحيان الوسيلة الوحيدة للشرطة في أوروبا وسائر المناطق لتقديم الأشخاص الفارّين إلى العدالة أو جمع بيانات استخباراتية حيوية.

/

مشهد الجريمة في أوروبا

بالإضافة إلى الاتجار بالمخدرات، تُظهر نتائج تقرير الإنتربول 2022 عن اتجاهات الجريمة في العالم الذي استطلع آراء أجهزة الشرطة في البلدان الأعضاء الـ 195 في المنظمة أن غسل الأموال والجرائم السيبرية أو التي تسهل الإنترنت ارتكابها تتصدر أيضا قائمة شواغل أجهزة إنفاذ القانون الأوروبية.

واحتل غسل الأموال المرتبة الثانية من بين اتجاهات الجريمة التي أكثر ما اعتبرتها بلدان المنطقة الأعضاء تهديدا ’خطيرا‘ أو ’خطيرا للغاية‘، وجاء الاحتيال المالي أيضا في مرتبة عالية جدا.

ويشير التقرير إلى أن نطاق استخدام المجرمين لأدوات الإنترنت بغية تنفيذ مخططات الاحتيال المالي اتسع بسرعة أيضا، ولا سيما منذ تفشّي جائحة كوفيد-19.

وما يبعث على القلق بوجه خاص هو أن نسبة 76 في المائة من البلدان الأوروبية تتوقع أن تزداد أو تستفحل جريمة استغلال الأطفال والاعتداء عليهم جنسيا عبر الإنترنت في السنوات الثلاث إلى الخمس القادمة.

ويشير التقرير إلى أن الطلب على البث الحيّ لهذه الاعتداءات قد اشتد بقدر كبير في السنوات الأخيرة وازداد بكثافة على الأرجح خلال الجائحة. ومع أن استغلال الأطفال عن بُعد في مشاهد حية غالبا ما يُرتكب في جنوب شرق آسيا، كُشفت مؤخرا حالات كهذه في الاتحاد الأوروبي أيضا.

صون الأمن في أوروبا

إن تاريخ الإنتربول الذي تأسس قبل 100 عام في قلب أوروبا – في فيينا – في فترة ما بين الحربين العالميتين فيها مترابط مع تاريخ هذه المنطقة ترابطا وثيقا.

فالمنظمة أُنشئت في عشرينيات القرن الماضي في سياق اضطرابات جيوسياسية ومخاوف من تفاقم الجريمة الدولية، واتفق المندوبون المؤسِّسون فيها على أن التعاون هو السبيل الوحيد الذي يتيح للشرطة مكافحة تهديدات الجريمة عبر الوطنية - وهو هدف مشترك في جميع فترات التوتر السياسي أو الاقتصادي.

وفيما بعد، ‏وضع النازيون أيديهم على اللجنة الدولية للشرطة الجنائية – اسم الإنتربول آنذاك - بعد عزل رئيسها، وذلك في فصل من أحلك الفصول في تاريخ المنظمة. وفي عام 1946، قادت بلجيكا عملية إعادة بناء المنظمة في حقبة ما بعد الحرب.

واليوم تظل البلدان الأوروبية الأعضاء رائدة على مستوى العالم في استخدام قدرات الإنتربول والإسهام فيها، وهذا النشاط يتنامى بسرعة. وتسجل هذه البلدان في قواعد بيانات المنظمة قدرا من القيود وتُجري عددا من التقصيات وتحقق - وهذا هو الأهم - عددا من المطابقات أكبر مما تقوم به أيّ منطقة أخرى.

وهذه القيود والتقصيات والمطابقات من البلدان الأوروبية في قواعد بيانات الإنتربول بلغت ذروة قياسية جديدة في عام 2022. وفي العام الفائت فقط، ازداد عدد تقصيات أجهزة إنفاذ القانون الأوروبية لقواعد بيانات الإنتربول بنحو الثلث.

وتؤكد هذه الأرقام المكانة البارزة التي تشغلها قدرات الإنتربول في الإجراءات التي تتخذها البلدان الأوروبية للحفاظ على أمن مجتمعاتها.